موقع قصة الإسلام
عنى الإسلام بالصداقات الخاصَّة؛ لما لها من أثر عميق في توجيه النفس والعقل، ولما لها من نتائج مهمَّة فيما يصيب الجماعة كلها من تقدُّم أو تأخُّر، ومن قلق أو اطمئنان.
والإسلام شديد الحرص على أن تكون شعائره العظمى مثابةً يلتقي المسلمون عندها؛ ليتعاونوا على أدائها، مما يشير إلى رغبة الإسلام في تكثير سواد المسلمين، ورؤيتهم حشودًا متضاعفة لا فُرادى منقطعين. وكل اعتزالٍ عن الأُمَّة يفوِّت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو يضعف من شأن الإسلام أمام خصومه، إنما هو جريمة ولا يُقبل من صاحبه عذر.
وعلى المسلم أن يقسِّم وقته بين الخلوة النافعة والاختلاط الحسن؛ ليخرج من الحالين بما يُصلح شأنه كله، وأول شرائط الصحبة الكريمة أن نبرأ من الأغراض، وأن تخلص لوجه الحقِّ، وأن تُولد وتكبر في طريق الإيمان والإحسان، وهو معنى الحبِّ لله؛ لذلك قال
مخاطبًا المتحابِّين في الله: "مَا مِنْ رَجُلَيْنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلاَّ كَانَ أَحَبُّهُمَا إِلَى اللَّهِ أَشَدَّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وقد احتفى الإسلام بهذا النوع من الصداقات النقيَّة، ورغَّب المؤمنين في إخلاصها لله، وجعل له جزيل الثواب، قال
: "إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلاَلِي الْيَوْمَ؟ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلِّي"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
والحب في الله لا يزعمه كل أحد، ولا يصدَّق مِن كلِّ دَعِيٍّ، وهو ليس الإعجاب بموهبة عظيم، أو استلطاف سيرة آخر، وإنما هو خاتمة مراحل تسبقه في مراقي الإيمان.
ولأن أثرَ الصديق في صديقه عميقٌ كان لزامًا على المرء أن ينتقي إخوانه، وأن يختبر حقائقهم؛ حتى يطمئن إلى معدنها، قال
: "الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
إن الصديق العظيم قد يقود صديقه إلى النجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة، أمَّا الصديق الغبي المفتون فهو شؤم على صاحبه، يورده موارد الهلكة، فقد قال
: "مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ، لا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ، أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وينبغي أن يتعارف الأصدقاء حتى يكون تواصلهم عن بيِّنة، وأن يذكر أحدهم للآخر ما يكنُّه له من إعزاز وحُبٍّ، قال
: "إِذَا آخَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَلْيَسْأَلْهُ عَنِ اسْمِهِ، وَاسْمِ أَبِيهِ، وَمِمَّنْ هُوَ؛ فَإِنَّهُ أَوْصَلُ لِلْمَوَدَّةِ"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. إذ إن عقد الصداقة كبير القيمة، جليلُ الأثر؛ حتى إنه لَيَكُون مِظنَّة النجدة في الأزمات الطاحنة، ولو كانت هذه الأزمات النجاة من عذاب جهنم.
ونظرًا لما يرتبط بهذه الصداقات من حقوق عظام، قال رسول الله
: "لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا، وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] الحاكم (7323) عن أنس بن مالك، بلفظ: "مَا تَحَابَّ رَجُلانِ..." وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي في التلخيص: صحيح. والطبراني: المعجم الكبير 20/274، واللفظ له، والمعجم الأوسط 12/15. وقال الألباني: صحيح. انظر: السلسلة الصحيحة (450).
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] مسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب في فضل الحب في الله (2566) عن أبي هريرة، وأحمد (7230)، والدارمي (2757)، وابن حبان (574).
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أبو داود: كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس (4833) عن أبي هريرة، وقال الألباني: حسن. والترمذي (2378)، وقال: هذا حديث حسن غريب. وأحمد (8015)، والحاكم (7320) وقال: حديث أبي الحباب صحيح إن شاء الله تعالى، ولم يخرجاه. وقال الذهبي في التلخيص: صحيح إن شاء الله.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] البخاري: كتاب البيوع، باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع... (1995) عن أبي موسى الأشعري، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء (2628).
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] الترمذي: كتاب الزهد، باب ما جاء في إعلام الحب (2392) عن يزيد بن نعامة الضبي، قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلاَّ من هذا الوجه. وقال الألباني: ضعيف. انظر: السلسلة الضعيفة (1726). وابن أبي شيبة: المصنف 6/257، والطبراني: المعجم الكبير 16/114.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أبو داود: كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس (4832) عن أبي سعيد الخدري، والترمذي (2395)، وقال: هذا حديث حسن، إنما نعرفه من هذا الوجه. وقال الألباني: حسن. انظر: مشكاة المصابيح (5018).
حقائق الإسلام ليست طقوسًا تنتقل بالوراثة، أو تعاويذَ تشيع بالإيحاء، ومن ثَمَّ فَرَضَ على الأُمَّة التي تعتنقه أن تكون متعلِّمة مثقَّفة؛ فمدارسة مناهج الإسلام تَخْلُقُ في أي أمة تعتني بها جوًّا من الفقه التشريعي القائم على الأوامر والنواهي، وجوًّا من الآداب الاجتماعيَّة الدقيقة والبحث الصحيح والاجتهاد المخلص؛ لمدِّ رواق الإسلام على ما تفد به العصور من أقضية شتى وشئون متجدِّدة.
وعلى قدر ذكاء الشخص واستنارته واستقامة فطرته يكون رسوخ قدمه في الإسلام، وهيهات أن يسبق في هذا الدين بليدُ الرأي، سقيم الوجدان!
إن أوَّل ما نزل من القرآن {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5]، وهي أول صيحة تسمو بقدر القلم، وتنوِّه بقيمة العلم، وتعلن الحرب على الأُمِّيَّة الغافلة، وتجعل اللبنة الأولى في بناء كل رجل عظيم أن يقرأ وأن يتعلَّم.
والمعرفة الجيدة أسبق عند الله من العمل المضطرب، ومن العبادة الجافَّة المشوبة بالجهل والقصور، والعلم الذي يقبل عليه المسلم ليس مُعيَّنًا محدود البداية والنهاية؛ لذا فمن الخطأ أن نظنَّ العلم المحمود هو دراسة الفقه والتفسير وما شابه ذلك فحسب، فإن علوم الكون والحياة ونتائج البحث المتواصل في ملكوت السماء والأرض لا تقلُّ خطرًا عن علوم الدين المحضة. والحاجز رقيق جدًّا بين ما هو دين محض وما هو دنيا محضة، والمرجع إلى ذلك سلامة القصد ونبل الغاية.
وقد ارتفع الإسلام بمنازل العلماء، وقدَّر جهودهم، وكرَّم ثمارهم إلى حدٍّ بعيد، وسما الله
بدرجات العلماء حتى قرنهم بنفسه وملائكته في الشهادة بوحدانيته، {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18]. كما حثَّ الإسلام على تعلُّم اللغات الأخرى، وقد سبق رسول الله
إلى الانتفاع بهذا العلم، فأمر كاتبه زيد بن ثابت بإجادة السريانيَّة؛ إذ إن فهم لغات الشعوب يُعَدُّ من ضرورات الإسلام، وذلك لنقل تعاليمه إلى أمم الأرض بالألسنة التي يفهمونها.
ولأن العلم أيضًا ليس له وطن خاصٌّ، ولا ينفرد به جيل بعينه، بل إن مصادر المعرفة متباينة المنابع شرقًا وغربًا، وشمالاً وجنوبًا، وقديمًا وحديثًا - وجب على المسلم أن يرتاد أماكن العلم لنيله من أي يدٍ ومن أي بلدٍ؛ "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
إن التعلُّم والتعليم رُوح الإسلام، لا بقاء لجوهره ولا كفالة لمستقبله إلاَّ بهما، قال
: "الْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ شَرِيكَانِ فِي الأَجْرِ، وَلاَ خَيْرَ فِي سَائِرِ النَّاسِ"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر (2699)، عن أبي هريرة
.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ابن ماجه (228) عن أبي أمامة
، وقال الألباني: ضعيف. وابن أبي شيبة: المصنف 6/188، والدارمي (327)، وقال حسين سليم أسد: إسناده ضعيف لانقطاعه
الإسلام دين يعرف قيمة الوقت، ويُقَدِّر خطورة الزمن، وجعل من أمارت التُّقَى أن يَعِيَ المسلم هذه الحقيقة، ويسير على هداها، قال تعالى: {إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ} [يونس: 6]. فالمسلم الحق يغالي بالوقت مغالاة شديدة؛ لأن الوقت عمره، فإذا سمح بضياعه، ترك العوادي تنهبه، فهو ينتحر بهذا المسلك الطائش.
وقد وزَّع الإسلام عباداته الكبرى على أجزاء اليوم وفصول العام، وهو ترتيب دقيق للحياة الإسلاميَّة، ومن فضل الله ودلائل توفيقه أن يُلهم المرء استغلال كل ساعة من عمره في العمل والاستجمام من جهد استعدادًا لجهد آخر، قال تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص: 73].
وصدق
: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ومن استغلال الإسلام للوقت بأفضل الوسائل حثُّه على مداومة العمل وإن كان قليلاً، وكذلك حثُّه على التبكير، ورغبته في أن يبدأ المسلم أعمال يومه نشيطًا، طيِّب النفس، مكتمل العزم، وفي الحديث: "بُورِكَ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. وكما أن الزمن يستغرق التكاليف التي نيطت بأعناق العباد، فهو يستوعب الأقضية التي يرسلها الله على الناس من خير وشرٍّ، وهي أقضية تفيض بالعظات الحقَّة، والدروس القيمة، {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الأَبْصَارِ} [النور: 44]. والله سبحانه لا يسوق الأحوال المختلفة على الناس إلاَّ لحِكَمٍ يتدبَّرها العارفون، فيزدادون به إيمانًا، وبلقائه يقينًا، {يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} [الرعد: 2].
ومن الاتعاظ بالزمن دراسة التاريخ العامِّ، وتتبُّع آيات الله في الآفاق، وتدبُّر أحوال الأمم كيف تقوم؟ وكيف تنهار؟ كيف تتقلَّب بين ازدهار وانحدار؟ {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا} [النمل: 69].
كما يدعو القرآن إلى دراسة الحضارات البائدة وعِلَلِ فنائها؛ حتى يتجنَّبَ الأخلافُ مواطن الزَّلَل، التي هَوَتْ بالأولين، وكم تكشف مطالعة التواريخ من غرائب!!
والذي يجب أن نعقله أن حياتنا هذه ليست سدًى! وأن الله أَجَلَّ من أن بجعلها كذلك، وإذا انتفعنا بمرور الزمن على خير وجه سجَّلنا لأنفسنا خلودًا لا يناوشه الزمن بهرم ولا بِلًى.. عند الرفيق الأعلى.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] البخاري: كتاب الرقاق، باب ما جاء في الصحة والفراغ وأن لا عيش إلا عيش الآخرة (6049) عن عبد الله بن عباس
، والترمذي (2304)، وأحمد (2340)، وابن ماجه (4170)، والدارمي (2707).
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أبو داود (2606) بلفظ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا"، وأبو يعلى (5281) عن عبد الله بن مسعود
، واللفظ له، والطبراني: المعجم الكبير 19/134، والمعجم الأوسط 2/264 (76
عنى الإسلام بالصداقات الخاصَّة؛ لما لها من أثر عميق في توجيه النفس والعقل، ولما لها من نتائج مهمَّة فيما يصيب الجماعة كلها من تقدُّم أو تأخُّر، ومن قلق أو اطمئنان.
والإسلام شديد الحرص على أن تكون شعائره العظمى مثابةً يلتقي المسلمون عندها؛ ليتعاونوا على أدائها، مما يشير إلى رغبة الإسلام في تكثير سواد المسلمين، ورؤيتهم حشودًا متضاعفة لا فُرادى منقطعين. وكل اعتزالٍ عن الأُمَّة يفوِّت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو يضعف من شأن الإسلام أمام خصومه، إنما هو جريمة ولا يُقبل من صاحبه عذر.
وعلى المسلم أن يقسِّم وقته بين الخلوة النافعة والاختلاط الحسن؛ ليخرج من الحالين بما يُصلح شأنه كله، وأول شرائط الصحبة الكريمة أن نبرأ من الأغراض، وأن تخلص لوجه الحقِّ، وأن تُولد وتكبر في طريق الإيمان والإحسان، وهو معنى الحبِّ لله؛ لذلك قال
مخاطبًا المتحابِّين في الله: "مَا مِنْ رَجُلَيْنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلاَّ كَانَ أَحَبُّهُمَا إِلَى اللَّهِ أَشَدَّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وقد احتفى الإسلام بهذا النوع من الصداقات النقيَّة، ورغَّب المؤمنين في إخلاصها لله، وجعل له جزيل الثواب، قال
: "إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلاَلِي الْيَوْمَ؟ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلِّي"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
والحب في الله لا يزعمه كل أحد، ولا يصدَّق مِن كلِّ دَعِيٍّ، وهو ليس الإعجاب بموهبة عظيم، أو استلطاف سيرة آخر، وإنما هو خاتمة مراحل تسبقه في مراقي الإيمان.
ولأن أثرَ الصديق في صديقه عميقٌ كان لزامًا على المرء أن ينتقي إخوانه، وأن يختبر حقائقهم؛ حتى يطمئن إلى معدنها، قال
: "الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
إن الصديق العظيم قد يقود صديقه إلى النجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة، أمَّا الصديق الغبي المفتون فهو شؤم على صاحبه، يورده موارد الهلكة، فقد قال
: "مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ، لا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ، أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وينبغي أن يتعارف الأصدقاء حتى يكون تواصلهم عن بيِّنة، وأن يذكر أحدهم للآخر ما يكنُّه له من إعزاز وحُبٍّ، قال
: "إِذَا آخَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَلْيَسْأَلْهُ عَنِ اسْمِهِ، وَاسْمِ أَبِيهِ، وَمِمَّنْ هُوَ؛ فَإِنَّهُ أَوْصَلُ لِلْمَوَدَّةِ"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. إذ إن عقد الصداقة كبير القيمة، جليلُ الأثر؛ حتى إنه لَيَكُون مِظنَّة النجدة في الأزمات الطاحنة، ولو كانت هذه الأزمات النجاة من عذاب جهنم.
ونظرًا لما يرتبط بهذه الصداقات من حقوق عظام، قال رسول الله
: "لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا، وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] الحاكم (7323) عن أنس بن مالك، بلفظ: "مَا تَحَابَّ رَجُلانِ..." وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي في التلخيص: صحيح. والطبراني: المعجم الكبير 20/274، واللفظ له، والمعجم الأوسط 12/15. وقال الألباني: صحيح. انظر: السلسلة الصحيحة (450).
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] مسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب في فضل الحب في الله (2566) عن أبي هريرة، وأحمد (7230)، والدارمي (2757)، وابن حبان (574).
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أبو داود: كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس (4833) عن أبي هريرة، وقال الألباني: حسن. والترمذي (2378)، وقال: هذا حديث حسن غريب. وأحمد (8015)، والحاكم (7320) وقال: حديث أبي الحباب صحيح إن شاء الله تعالى، ولم يخرجاه. وقال الذهبي في التلخيص: صحيح إن شاء الله.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] البخاري: كتاب البيوع، باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع... (1995) عن أبي موسى الأشعري، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء (2628).
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] الترمذي: كتاب الزهد، باب ما جاء في إعلام الحب (2392) عن يزيد بن نعامة الضبي، قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلاَّ من هذا الوجه. وقال الألباني: ضعيف. انظر: السلسلة الضعيفة (1726). وابن أبي شيبة: المصنف 6/257، والطبراني: المعجم الكبير 16/114.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أبو داود: كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس (4832) عن أبي سعيد الخدري، والترمذي (2395)، وقال: هذا حديث حسن، إنما نعرفه من هذا الوجه. وقال الألباني: حسن. انظر: مشكاة المصابيح (5018).
حقائق الإسلام ليست طقوسًا تنتقل بالوراثة، أو تعاويذَ تشيع بالإيحاء، ومن ثَمَّ فَرَضَ على الأُمَّة التي تعتنقه أن تكون متعلِّمة مثقَّفة؛ فمدارسة مناهج الإسلام تَخْلُقُ في أي أمة تعتني بها جوًّا من الفقه التشريعي القائم على الأوامر والنواهي، وجوًّا من الآداب الاجتماعيَّة الدقيقة والبحث الصحيح والاجتهاد المخلص؛ لمدِّ رواق الإسلام على ما تفد به العصور من أقضية شتى وشئون متجدِّدة.
وعلى قدر ذكاء الشخص واستنارته واستقامة فطرته يكون رسوخ قدمه في الإسلام، وهيهات أن يسبق في هذا الدين بليدُ الرأي، سقيم الوجدان!
إن أوَّل ما نزل من القرآن {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5]، وهي أول صيحة تسمو بقدر القلم، وتنوِّه بقيمة العلم، وتعلن الحرب على الأُمِّيَّة الغافلة، وتجعل اللبنة الأولى في بناء كل رجل عظيم أن يقرأ وأن يتعلَّم.
والمعرفة الجيدة أسبق عند الله من العمل المضطرب، ومن العبادة الجافَّة المشوبة بالجهل والقصور، والعلم الذي يقبل عليه المسلم ليس مُعيَّنًا محدود البداية والنهاية؛ لذا فمن الخطأ أن نظنَّ العلم المحمود هو دراسة الفقه والتفسير وما شابه ذلك فحسب، فإن علوم الكون والحياة ونتائج البحث المتواصل في ملكوت السماء والأرض لا تقلُّ خطرًا عن علوم الدين المحضة. والحاجز رقيق جدًّا بين ما هو دين محض وما هو دنيا محضة، والمرجع إلى ذلك سلامة القصد ونبل الغاية.
وقد ارتفع الإسلام بمنازل العلماء، وقدَّر جهودهم، وكرَّم ثمارهم إلى حدٍّ بعيد، وسما الله
بدرجات العلماء حتى قرنهم بنفسه وملائكته في الشهادة بوحدانيته، {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18]. كما حثَّ الإسلام على تعلُّم اللغات الأخرى، وقد سبق رسول الله
إلى الانتفاع بهذا العلم، فأمر كاتبه زيد بن ثابت بإجادة السريانيَّة؛ إذ إن فهم لغات الشعوب يُعَدُّ من ضرورات الإسلام، وذلك لنقل تعاليمه إلى أمم الأرض بالألسنة التي يفهمونها.
ولأن العلم أيضًا ليس له وطن خاصٌّ، ولا ينفرد به جيل بعينه، بل إن مصادر المعرفة متباينة المنابع شرقًا وغربًا، وشمالاً وجنوبًا، وقديمًا وحديثًا - وجب على المسلم أن يرتاد أماكن العلم لنيله من أي يدٍ ومن أي بلدٍ؛ "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
إن التعلُّم والتعليم رُوح الإسلام، لا بقاء لجوهره ولا كفالة لمستقبله إلاَّ بهما، قال
: "الْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ شَرِيكَانِ فِي الأَجْرِ، وَلاَ خَيْرَ فِي سَائِرِ النَّاسِ"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر (2699)، عن أبي هريرة
.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ابن ماجه (228) عن أبي أمامة
، وقال الألباني: ضعيف. وابن أبي شيبة: المصنف 6/188، والدارمي (327)، وقال حسين سليم أسد: إسناده ضعيف لانقطاعه
الإسلام دين يعرف قيمة الوقت، ويُقَدِّر خطورة الزمن، وجعل من أمارت التُّقَى أن يَعِيَ المسلم هذه الحقيقة، ويسير على هداها، قال تعالى: {إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ} [يونس: 6]. فالمسلم الحق يغالي بالوقت مغالاة شديدة؛ لأن الوقت عمره، فإذا سمح بضياعه، ترك العوادي تنهبه، فهو ينتحر بهذا المسلك الطائش.
وقد وزَّع الإسلام عباداته الكبرى على أجزاء اليوم وفصول العام، وهو ترتيب دقيق للحياة الإسلاميَّة، ومن فضل الله ودلائل توفيقه أن يُلهم المرء استغلال كل ساعة من عمره في العمل والاستجمام من جهد استعدادًا لجهد آخر، قال تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص: 73].
وصدق
: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ومن استغلال الإسلام للوقت بأفضل الوسائل حثُّه على مداومة العمل وإن كان قليلاً، وكذلك حثُّه على التبكير، ورغبته في أن يبدأ المسلم أعمال يومه نشيطًا، طيِّب النفس، مكتمل العزم، وفي الحديث: "بُورِكَ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. وكما أن الزمن يستغرق التكاليف التي نيطت بأعناق العباد، فهو يستوعب الأقضية التي يرسلها الله على الناس من خير وشرٍّ، وهي أقضية تفيض بالعظات الحقَّة، والدروس القيمة، {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الأَبْصَارِ} [النور: 44]. والله سبحانه لا يسوق الأحوال المختلفة على الناس إلاَّ لحِكَمٍ يتدبَّرها العارفون، فيزدادون به إيمانًا، وبلقائه يقينًا، {يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} [الرعد: 2].
ومن الاتعاظ بالزمن دراسة التاريخ العامِّ، وتتبُّع آيات الله في الآفاق، وتدبُّر أحوال الأمم كيف تقوم؟ وكيف تنهار؟ كيف تتقلَّب بين ازدهار وانحدار؟ {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا} [النمل: 69].
كما يدعو القرآن إلى دراسة الحضارات البائدة وعِلَلِ فنائها؛ حتى يتجنَّبَ الأخلافُ مواطن الزَّلَل، التي هَوَتْ بالأولين، وكم تكشف مطالعة التواريخ من غرائب!!
والذي يجب أن نعقله أن حياتنا هذه ليست سدًى! وأن الله أَجَلَّ من أن بجعلها كذلك، وإذا انتفعنا بمرور الزمن على خير وجه سجَّلنا لأنفسنا خلودًا لا يناوشه الزمن بهرم ولا بِلًى.. عند الرفيق الأعلى.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] البخاري: كتاب الرقاق، باب ما جاء في الصحة والفراغ وأن لا عيش إلا عيش الآخرة (6049) عن عبد الله بن عباس
، والترمذي (2304)، وأحمد (2340)، وابن ماجه (4170)، والدارمي (2707).
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أبو داود (2606) بلفظ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا"، وأبو يعلى (5281) عن عبد الله بن مسعود
، واللفظ له، والطبراني: المعجم الكبير 19/134، والمعجم الأوسط 2/264 (76